دســتور المــدونة
مرحباً بكم في “خَضَّرموج”، حيث تجدون فسحةً للتأمل والتعبير، منصة تجمع بين الفلسفة والأدب لتفتح لكم أبواب الفكر والخيال. هنا لا نكتب فقط، بل نشارككم أفكارًا وتجارب تغني الروح، وتثير العقول. في “خَضَّرموج”، نسعى لأن تكون كل كلمة بمثابة شعلة تُنير الفكر وتُحيي الروح. نكتب لنشعل في النفوس شغف التفكير، ونُحيي في القلوب الرغبة في الحوار والتواصل. هذه المدونة ليست مساحة عابرة، بل مجلس فكري يرحب بكل قارئ ويجعله يشعر كأنه بين أصدقاء يتشاركون الحكمة والمشاعر.
تتناول “خَضَّرموج” مواضيع تتعلق بالفكر الفلسفي العميق، وتُعنى بالنقد الأدبي الهادف. هنا ننظر إلى الوجود من زوايا جديدة، نتأمل في مفاهيم الجمال والعقل، ونغوص في التساؤلات الكبرى التي تلهم النقاش وتحثّ على التأمل. نحن نؤمن بأن الكتابة ليست مجرد كلمات، بل وسيلة لفتح الآفاق واستكشاف معاني الحياة، والتواصل مع الذوات المتأملة حول العالم. لأننا ندرك أن لكل وجه قصة غير مروية، وأن خلف كل سؤال توجد إجابة تنتظر من ينصت. نكتب لنضيء الزوايا المظلمة، ونرفع ستار الصمت عن القصص الخفية، ونسعى لنكون الأمل الذي يعيد إشعال الحلم في عيون من أظلمت أيامهم.
إننا في “خَضَّرموج” نرى الكتابة كعناقٍ وجودي بين الكلمة والمعنى، بين الفكرة والقارئ. هدفنا هو الوصول إلى حوار أعمق، ورؤية العالم من منظور أكثر شمولاً وإشراقاً. نكتب بأسلوب يتسم بالصدق والبساطة، ونعتمد على النقاش المفتوح والمقالات التي تلامس عمق الأفكار. نطرح الأسئلة، نستكشف ما وراء السطح، ونضيء على تلك الزوايا التي غالباً ما تُهمل. نبحث دائماً عن الجديد، ونستقبل الأفكار المختلفة بكل رحابة صدر، ونسعى لأن يكون كل مقال بمثابة رحلة فكرية مثرية.
إذا كنت تبحث عن مساحة للتفكير والتعبير، إذا كنت تشعر بالحاجة إلى مشاركة الأفكار والانفتاح على تساؤلات جديدة، فأنت في المكان المناسب. “خَضَّرموج” هي منصة تحتفي بالكلمة والفكرة، حيث تجد المقالات الفلسفية والأدبية التي تغني العقل وتُثري الحوار. مرحباً بكم في “خَضَّرموج”، حيث الكلمات ليست مجرد حروف، بل جسورٌ تعبر بين عوالم الفكر والعاطفة، بين التفاؤل واليأس، لنصل معاً إلى أفق أكثر إشراقاً وحوار أكثر عمقاً.
يرغب المدوّن في مشاركتكم بعض الأسئلة المحورية التي تعد بمثابة بوابة لاستيعاب وفهم السياقات العميقة التي سيتناولها المحتوى المقدم في هذه المدونة. هذه الأسئلة ليست مجرد تمهيد، بل هي نقاط انطلاق ضرورية لاستكشاف الأفكار والرؤى التي ستجدونها بين سطور الكلمات والأفك
المدوّن و الكتابة؟
في الحقيقة، الكتابة بالنسبة لي هي رحلة أكثر منها وسيلة للتعبير. لا أعتقد أنني أسعى وراء الإجابات بقدر ما أبحث عن الأسئلة ذاتها. هل سبق لك أن وجدت نفسك تفكر في شيء لمجرد أنك لا تستطيع تركه؟ هذا ما يحدث معي. هناك شيء داخلي يدفعني للتفكير في الأمور التي تمر بجانبنا دون أن نتوقف عندها. ربما لأنها تبدو مألوفة جدًا أو لأننا ببساطة نختار تجاهلها. لكن بالنسبة لي، هذه التفاصيل هي ما تجعل الحياة مثيرة للدهشة.
الإنسان، بتركيبته المعقدة، لا يتوقف عن إبهاري. أحيانًا أعتقد أنني أفهمه، لكن سرعان ما أجد نفسي غارقًا في تساؤلات جديدة. كيف يمكن لشخص واحد أن يحمل في داخله كل هذه التناقضات؟ يمكنه أن يكون مليئًا بالأمل في لحظة، وفي اللحظة التالية يبدو وكأنه فقد كل شيء. لقد مررت شخصيًا بمثل هذه التغيرات. أتذكر مرة شعرت فيها بأن كل شيء يسير بشكل صحيح، ولكن فجأة، دون سبب واضح، غرقت في شعور غريب بالضياع. هل مررت بشيء مشابه؟ أعتقد أننا جميعًا نعيش هذه اللحظات بين الحين والآخر.
لكنني لا أكتب لأقدم حلولًا. لا أعتقد أنني أملك تلك القدرة. في الواقع، أحيانًا أتساءل لماذا نحتاج إلى الأجوبة أصلًا؟ ربما يكون البحث عن الحقيقة بحد ذاته أكثر أهمية من الوصول إليها. الكتابة، في هذا السياق، هي طريقتي للغوص في تلك الأسئلة. أحيانًا أكتب وأشعر وكأنني أسير في ممرات طويلة لا نهاية لها، مليئة بالغموض والظلام. هل يعني هذا أنني أبحث عن الراحة؟ لا أعرف. قد أكتب لكي أتعامل مع الفوضى التي أراها في الحياة، أو ربما فقط لأضع نفسي في مواجهة أسئلة جديدة.
ومع ذلك، لا يمكنني تجاهل الجانب العاطفي من الكتابة. أكتب عن الإنسان ككائن يشعر، يتألم، يفرح، ويبحث عن معنى وسط كل هذا الفوضى. الكتابة تتيح لي ملامسة هذه المشاعر، سواء كانت معقدة أو بسيطة. أحيانًا يبدو الأمر وكأنني أجمع بين نقيضين في نفس الجملة. لكن، ألا يعكس ذلك ما نعيشه؟ الحياة مليئة بالتناقضات، ونحن نحاول دائمًا إيجاد توازن بينها، حتى لو بدا الأمر مستحيلًا أحيانًا.
أنا أحب التعمق في الفلسفة، لكنني أيضًا أحاول أن أحتفظ بلمسة واقعية. قد تأثرت بكتابات نيتشه وسارتر، وأحب كيف قاما بتحدي المفاهيم التقليدية للحياة والحرية. لكن، في بعض الأحيان، أشعر أن تلك الأفكار لا تكفي لوحدها. نحن بحاجة إلى شيء أكثر عملية، شيء يمكننا الإمساك به والتشبث به في لحظات الضعف. ربما هذا ما يجعلني أكتب بشكل مختلف. أحاول المزج بين التأملات الفلسفية والتجربة الإنسانية الملموسة.
في نهاية المطاف، الكتابة هي طريقتي لترك أثر، ليس بالضرورة أثرًا عظيمًا، ولكن شيئًا يبقى. أحيانًا أفكر: هل ستبقى كلماتي بعد أن أتوقف عن الكتابة؟ من الصعب الجزم بذلك. ربما أكتب لأنني أريد أن أترك شيئًا خلفي، شيئًا يتردد في ذهن القارئ بعد أن يضع الكتاب جانبًا.
ما هي الفلسفات أو المدارس الفكرية التي تشكل أساس رؤيتك وتوجهاتك في الكتابة؟
في كتابتي، أجدني مُدَفوعًا بتأملات مستمدة من مزيجٍ متنوع من الفلسفات والمدارس الفكرية التي تتلاقى في محاولتي لفهم الوجود الإنساني بكل ما فيه من جمالٍ وتعقيد. وكأنني في كل مرة أكتب، أستلهم صوتاً مختلفاً، كأنها أوركسترا فكرية تتناغم فيها أصوات الفلسفة الوجودية والظاهراتية، مع إيقاعات الرومانسية والشاعرية الشرقية، وأحياناً صرخات الفلسفة النقدية، التي لا تعرف الصمت.
الوجودية: صوت الاضطراب الداخلي والبحث عن المعنى
أجد نفسي، ربما كما فعل سارتر وكامو، أطرح أسئلة تعكس قلق الإنسان الحديث: “لماذا نحن هنا؟ وما الذي يجعل لحياتنا معنى؟” الكتابة تصبح مساحةً لهذا البحث المستمر عن الذات، لاستكشاف ما يتشكل في داخلنا عندما نقف وحيدين أمام الوجود. عندما أكتب، أستشعر نوعًا من التحدي، كما لو أنني أحاول الإمساك بشيءٍ ما زلق، يصعب وصفه بالكلمات وحدها. إنها تلك اللحظات التي تُجبرك على مواجهة نفسك، لتدرك أنك لا تملك كل الأجوبة، ولكنك تتوق للبحث.
الظاهراتية: التقاط اللحظة وإعادة اكتشاف التفاصيل
في الحياة اليومية، هناك تفاصيل صغيرة قد تمر دون أن ننتبه لها، لكنّها تصنع عُمق التجربة. هناك سحر في إعادة اكتشاف الأشياء التي اعتدنا عليها: كوب القهوة الصباحي، ضحكة طفل، نظرةٌ عابرة لشخص على الطريق. الفلسفة الظاهراتية تُعلّمني كيف أستمع لتلك التفاصيل، وكيف أترك لها مساحةً لتتحدث. الكتابة من هذا المنطلق ليست مجرد سردٍ للأحداث، بل هي محاولة للعودة إلى “الأشياء نفسها”، لرؤية العالم بأعين جديدة، وكأنك تعيشه للمرة الأولى.
الرومانسية: اندفاع العواطف والتمرد على الواقع
أعترف أنني، أحياناً، كاتب متمرد. الرومانسية علمتني أن أتبع ذلك الإحساس المتمرد داخل النفس، الذي لا يقبل بالمعقول والمألوف، بل يسعى إلى عالمٍ أكبر من الحياة العادية. الكتابة هنا هي هروبٌ من الواقع، وتحريرٌ للخيال، وغوصٌ في العاطفة. أرى الجمال في الفوضى، أستمتع بإبراز النقص والتناقض، وأتساءل دائماً: لماذا يجب أن يكون العالم متسقاً؟ لماذا لا نترك مجالاً للأحلام كي تتسع دون حدود؟
الفلسفة الشرقية: التأمل والصمت كوسيلة لفهم العالم
لا شيء يشبه لحظة الصمت التي تمنحنا إياها الفلسفات الشرقية، تلك اللحظة التي تسبق الفكرة، حيث كل شيء في العالم يبدو متوازناً ومتناغماً. الكتابة، بالنسبة لي، تقترب من طقوس التأمل في تلك الفلسفات، فهي ليست فقط نشاطًا عقليًا، بل هي لحظةٌ من التوحد مع الذات والعالم، حيث تتكسر الحواجز بين الداخل والخارج. من هذا المنظور، الكتابة تصبح دعوة للتوقف، للتأمل، لإعادة النظر في ما نعتقد أننا نفهمه.
الفلسفة النقدية: الصوت الذي لا يتوقف عن السؤال
ومع ذلك، لا يمكنني أن أنسى ذلك الصوت النقدي الذي يهمس لي بأن الأشياء ليست دائماً كما تبدو، بأن هناك دائماً المزيد خلف الواجهة. الفلسفة النقدية، كما تعلمتها من مفكري مدرسة فرانكفورت، تجعلني أطرح الأسئلة الكبيرة: ما الذي يقف خلف الأنظمة الاجتماعية؟ كيف تُبنى الأفكار التي نتبناها؟ في الكتابة، يصبح هذا صوتًا يريد كشف المستور، وتعرية ما هو مخفي، ليجعل القارئ يرى العالم من زوايا جديدة.
الأخلاق: البحث عن العدالة والخير
وفي كل هذه الفلسفات، هناك بوصلة أخلاقية تَجذبني للبحث عن معنى الخير والشر، عن كيف يمكن للإنسان أن يحيا حياةً ذات معنى في عالم مليء بالتعقيدات. الكتابة هنا ليست فقط استكشافاً للأفكار، بل هي دعوةٌ لإعادة التفكير في قيمنا، في قراراتنا، وفي كيفية تعاملنا مع بعضنا البعض.
إنني أكتب كما أعيش: بفضول لا يشبع، بعين تلتقط التفاصيل، بقلبٍ ينبض بالأحلام، وعقلٍ لا يتوقف عن السؤال. الكتابة بالنسبة لي هي محاولة لرسم خريطة للإنسانية، تعبر بين ضفاف المنطق والعاطفة، الواقع والخيال، الضوء والظل. إنها ليست فقط استعراضاً للفكر، بل هي رحلةٌ إلى أعماق النفس، بحثاً عن شيء يصعب الوصول إليه، ولكنه يستحق كل العناء.
كيف تساهم استعاراتك ومجازاتك في التعبير عن الأفكار العميقة والمجردة؟
الاستعارات والمجازات، بالنسبة لي، هي طريقة لرسم الأفكار بالكلمات. هي مثل العدسة التي تلتقط العالم من زاوية مختلفة، تُبرز التفاصيل التي قد تكون غير مرئية في ضوء النهار العادي. عندما أكتب، لا أريد فقط أن أصف فكرة، بل أريد للقارئ أن يراها، أن يشعر بها وهي تنبض أمامه، أن يعيشها كما أعيشها أنا، بتلك الدهشة والحيرة، أو حتى بتلك الراحة العميقة التي لا تبوح بها الكلمات بسهولة.
تخيل معي فكرة ثقيلة مثل الحزن، كيف يمكن أن تُفسّر بالكلمات؟ إن قلت ببساطة إن شخصاً ما حزين، فالأمر يبدو سطحياً، مبتوراً. لكن إن قلت: “كان يسير في صحراء لا نهاية لها، حيث الصمت يشبه صدى الريح في فضاءٍ من عدم”، فجأة، تُخلق صورة حية، مكان تستطيع أن تلمس فيه الفراغ، أن تسمع الصمت، أن تشعر بالثقل الذي يحمله الشخص في تلك اللحظة. الصحراء هنا ليست مجرد أرض قاحلة، إنها مساحة شاسعة للضياع، والريح ليست مجرد صوت، إنها تلميح لأمل يبحث عن شيء في لا مكان.
المجازات تجعل الكلمات تتنفس، تملأها بروح جديدة. هي مثل البوصلة التي تقود الأفكار العميقة إلى السطح، لتصبح مرئية وواضحة. ربما لهذا السبب تجدني أستخدمها بكثرة عندما أحاول شرح المفاهيم المجردة، لأن العقل لا يتفاعل مع المفاهيم الصلبة بقدر ما يتفاعل مع الصور التي تتداخل فيها المشاعر. عندما أقول إن “الوقت غولٌ يلتهم أعمارنا”، فأنا لا أتكلم فقط عن مرور الساعات، بل عن شعور الرهبة من تسرب العمر دون أن نلاحظ، كأن الزمن كائنٌ يجلس هناك، في الظلام، ينتظر اللحظة المناسبة ليبتلع أيامنا واحدةً تلو الأخرى.
هناك حكاية في كل استعارة، حكاية تُخفيها الصورة وتتركها للقارئ ليستكشفها بنفسه. حينما أقول إن “الإنسان مثل البحر، هادئٌ على السطح لكنه يخفي تحته تياراتٍ هائجة”، فأنا أترك لك، للقارئ، أن تتخيل ما يجري في أعماق ذلك البحر، أن تسأل نفسك: ما هي التيارات التي تهيج داخلك أنت؟ هذا هو سحر الاستعارة، أنها تتيح مساحة للحوار الداخلي، تنفتح على احتمالات لا نهائية، وتُحرك شيئاً في الداخل.
الكتابة بالاستعارات والمجازات ليست مجرد طريقة للتجميل أو التزيين. هي حاجة، لأنها تتيح لي أن أقول الأشياء التي لا يمكن قولها مباشرةً. أحياناً، تحتاج أن تهمس بفكرة بدلاً من أن تصرخ بها، أن تلمّح دون أن تكشف كل شيء، تماماً مثل اللوحات التي تزداد جمالاً كلما اقتربت أكثر لترى التفاصيل التي كانت مخفية من بعيد. إنها طريقة لتفجير الفكرة، لتفتحها على أبعاد جديدة، تجعلها حيّة، متحركة، تنبض بقلوب مختلفة مع كل قارئ.
عندما أقف أمام فكرة، وأشعر أنها أكبر من أن توصف بكلمات مباشرة، أبحث عن صورة، شيء يعرفه الجميع ولكنهم لم يرونه بهذه الطريقة من قبل. وحينما أجد الاستعارة المناسبة، أشعر وكأنني أمسكت بشيء نادر، كأنني أقول للقارئ: “توقف لحظة، انظر هنا، هل ترى ما أراه؟”
كيف تختار وتدمج بين المصادر الفكرية المختلفة في تقديم محتوى غني ومتوازن؟
بعض الأساليب التي أعتمدها لأخلق هذا النسيج المعرفي المتماسك.
قبل أي شيء، أحب أن أتعرف على روح كل مصدر. ليس فقط ما يقوله النص، بل لماذا قاله؟ وكيف فكر كاتبه؟ هذا يعني الغوص في سياق الفكرة، وفهم الخلفيات التي دفعت المؤلفين لطرح رؤاهم. عندما أقرأ مثلاً لهيغل، أحاول أن أفهم منظومته الفكرية الشاملة، وكيف يشبك كل فكرة بالأخرى، وهذا يعطيني القدرة على استيعاب كيف تتوافق أو تختلف مع فكر آخر، ربما معاصر أو أدبي.
الكتابة الغنية تحتاج إلى التنوع، لأن الحقيقة ليست ملكاً لصوت واحد. لذلك، أحرص على استخدام مصادر من مدارس فكرية مختلفة، تجمع بين الفلسفة، والأدب، والعلم. مثلاً، قد تجدني أستعين بفكرة من فلسفة جون لوك حول الحرية، وأضعها جنباً إلى جنب مع وصف فيودور دوستويفسكي لشخصياته المضطربة، ثم أستكملها بمعلومة من عالم الفيزياء حول الطبيعة الحرة للجسيمات. بهذه الطريقة، يتناغم النص كأنه سيمفونية، تسمع فيها صوتاً أدبياً يمزج بالفكر العميق والتفصيل العلمي.
في أثناء قراءة المصادر المختلفة، أبحث عن تلك اللحظات السحرية التي تلتقي فيها الأفكار رغم اختلاف منطلقاتها. كأنني ألتقط خيطاً رفيعاً يربط بين فلسفة هايدغر عن الزمن، وتأملات بروست الأدبية في “البحث عن الزمن المفقود”، وأضيف إليها لمسة علمية من نظرية أينشتاين عن الزمن. هنا يصبح النص لوحة ثلاثية الأبعاد، تُقدم لك الزمن من ثلاث زوايا، فيكتسب المفهوم عمقاً وأبعاداً جديدة لم تكن لتظهر لو اعتمدنا على منظور واحد فقط.
إن استخدام الاقتباسات هو أمر أساسي، ولكن لا يمكن أن يطغى على صوت الكاتب نفسه. فأنا أرى أن دوري هو أن أصنع حواراً بين الأصوات، لا أن أجمعها فقط. هذا يعني أن أضع كل فكرة في سياقها، وأتأملها، وأحللها، بحيث يظهر الرابط بينها وبين الأفكار الأخرى، وأضفي عليها وجهة نظري الخاصة التي تجسر بين تلك الاختلافات، فتشعر وكأن الأفكار تتحدث وتتحاور.
في كثير من الأحيان، تكون الأفكار الفلسفية أو العلمية جافة أو معقدة، وتحتاج إلى جسرٍ يصلها بالقارئ. هنا يأتي دور الأدب، فباستخدام التشبيهات والاستعارات يمكن أن تتفتح الأفكار وكأنها ورود، تُصبح سهلة المنال. يمكن أن أستخدم مثلاً استعارة لشرح مفهوم “العقل الجدلي” عند هيغل، بربطه بصراعات داخلية لشخصية في رواية، ليتضح من خلال صورة حية ما قد يكون معقداً في لغة فلسفية جافة.
التعامل مع مصادر متعددة يعني أيضاً مواجهة تبايناتها وتناقضاتها. لكن بدلاً من فرض انسجام زائف، أستمتع بترك هذه التناقضات تظهر، كأنها حوار داخلي غني، يدعو القارئ للتفكير والتساؤل. فالكتابة ليست لتقديم إجابات نهائية، بل لإثارة الفضول، وفتح أبواب النقاش الداخلي، وتحفيز التفكير النقدي.
إن كتابة محتوى متوازن تستدعي التوثيق الدقيق، لكن بطريقة سلسة لا تقطع تدفق الأفكار. أعتمد على مصادر موثوقة وأترك للقارئ المجال للعودة إليها إن أراد، لكن دون أن يشعر أنه غارق في المراجع، بل مستمتع برحلة فكرية سلسة. الهدف هو أن يشعر وكأن النص يأخذه من يده، ويدله على الطريق، لا أن يقيده بحبال ثقيلة من المعلومات المشتتة.
اختيار ودمج المصادر هو أشبه بحياكة سجادة فارسية، كل خيط له لونه ورقته، لكن تماسكها جميعاً هو الذي يُخرج الصورة الجميلة في النهاية. لا أسعى فقط لنقل الحقائق، بل لبناء حوار متكامل يجعل الأفكار تتنفس وتتحرك، تُعبر عن أبعادها المختلفة وتمنح القارئ تجربة فكرية ثرية، تثير الأسئلة وتمنحه فسحة للتأمل. الكتابة هنا ليست مهمة فقط، بل هي فنٌّ يمزج بين الأصوات ليُخرج لحناً جديداً، لا يشبه أي لحن منفرد، بل ينفرد بانسجامه
من هم المفكرون والأدباء الذين يلهمون كتاباتك؟
الإلهام في الكتابة بالنسبة لي يبدأ من أعظم كتاب عرفته البشرية، القرآن الكريم. إنه ليس مجرد نص ديني، بل هو فنٌ لغوي رفيع، مليء بالجمال والمعاني العميقة. كل آية فيه تفتح عالماً من الدلالات، وكأن الحروف فيه ليست مجرد كلمات، بل رموز تحمل خلفها عوالم كاملة. القرآن يعلمك كيف تصيغ المعاني في أبسط العبارات وأكثرها تأثيراً، وكيف تكون للكلمة قوة السيف دون أن تجرح. وهو الذي علمني كيف أطرح الأسئلة التي تتجاوز السطح وتغوص في عمق الأشياء، كيف يمكن أن تُقال الحقائق بصوت هادئ، ومع ذلك تزلزل الأعماق.
ثم تأتي أمهات الكتب، تلك التحف الأدبية التي تُراثنا بها عبر القرون، مثل “العقد الفريد” و”الأغاني” و”نهج البلاغة”. إنها كتب تعج بحكمة الأجداد، كتب لا تقرأها فقط لتعرف التاريخ، بل لتتذوق الشعر، ولتغوص في أعماق الفلسفة، وتفهم كيف كان أسلافنا يفكرون ويتحاورون. هذه الكتب تشعرني دائماً بالفخر بتراثي العربي، وتدفعني للكتابة ببلاغة وعمق، وكأنني أحاول أن أضيف شيئاً جديداً إلى ذلك الإرث العظيم.
أما الفكر والفلسفة، فهما دائماً رفيقي في رحلة الكتابة. أحب مثلاً كتب “إخوان الصفا”، التي تمتزج فيها الفلسفة بالعلوم، مثل حوار سري بين العقول العاشقة للمعرفة. و”المقدمة” لابن خلدون، التي تدهشك بمدى رؤيتها وذكائها، وكيف كان هذا الرجل يرى في التاريخ أكثر من مجرد حكايات، بل علماً معقداً يحاول فهم النفس البشرية وتفاعلاتها.
ومن الفلاسفة الغربيين، لا يمكنني تجاهل إيمانويل كانط، الذي علمني من خلال “نقد العقل الخالص” كيف يكون الفكر مغامرة. كيف يمكن للعقل أن يتجاوز حدوده، وأن يسعى لفهم ما وراء الظواهر. ونيتشه بروحه الثائرة، الذي يعيدك إلى الأسئلة الوجودية الأولى: ما معنى الحياة؟ ما هو الإنسان؟ وكيف يمكن أن نكون أحراراً حقاً؟ كلماته ليست فقط أفكاراً، بل شرارات توقظك من سباتك، وتجبرك على النظر إلى العالم بعين ناقدة.
ثم هناك دستويفسكي، الذي لا أستطيع أن أقرأ له دون أن أشعر أنني أتورط في أعماق النفس البشرية. رواياته مثل “الجريمة والعقاب” و”الأخوة كارامازوف” ليست مجرد قصص، بل أبحاث نفسية عميقة، تكشف عن الصراع الدائم بين الخير والشر في داخلنا، وتضعنا أمام تساؤلات معقدة عن العدالة والحرية والضمير. وبجانبه، تولستوي في “الحرب والسلام”، حيث تأخذك روايته في رحلة هائلة بين مصائر الناس وصراعاتهم، تجعلك تشعر وكأنك جزء من حركة التاريخ، تراقب حياة الشخصيات وتعايش آلامهم وأفراحهم.
وعندما أبحث عن الأدب الحديث، أجد نفسي دائمًا أميل نحو جبران خليل جبران، الذي يستطيع بكلماته أن يمزج بين الفلسفة والشعر، بين العمق والبساطة. أقرأ له وكأنني أستمع إلى موسيقى هادئة تلمس شيئاً في أعماقي. كما أنني لا أنسى نجيب محفوظ، الذي يأخذني إلى قلب القاهرة القديمة، ويجعلني أعيش مع شخصياته، وكأنني أعرفهم حق المعرفة، أشاركهم أحلامهم الصغيرة وصراعاتهم اليومية.
ومن الشعراء، يبقى المتنبي مدرسة قائمة بذاتها، كل بيت من أبياته شعلة من الفخر والكبرياء، ومحمود درويش الذي علمني كيف يمكن أن يُختصر وطنٌ كامل في قصيدة، كيف يمكن أن تتحدث الكلمات عن الأرض والحب والمنفى في آن واحد. أحب أيضاً شعراء الصوفية، مثل ابن عربي والرومي، الذين يأخذونك في رحلة إلى ما وراء الواقع، إلى عوالم تتجاوز المادة، وتجعل الروح تحلق في فضاءات مفتوحة على اللانهاية.
وأحب أيضاً أن أتعمق في الفلسفة المعاصرة، حيث ميشيل فوكو يعلمني كيف أقرأ المجتمع بعيون مختلفة، وكيف أفكك البُنى التي تتحكم في عقولنا. وأُعجب بكتابات إدوارد سعيد، الذي لم يكن مجرد مفكر، بل كان مدافعاً شجاعاً عن الهويات التي حاول الاستعمار طمسها.
من هو المدوَن؟
أنا مدوّن عربيٌ بدوي، سعودي. ابن الصحراء التي تعلّمني كل يوم معنى الحرية والبساطة، من تلك الأرض التي تمتد بلا نهاية، وتجعل الأفق مفتوحاً على مصراعيه لأحلامٍ بلا حدود. أكتب لأن الكتابة هي طريقتي في فهم نفسي والعالم، هي لغتي التي أتواصل بها معكم، وأبوح من خلالها بما يدور في داخلي، من أفكارٍ وأحاسيس وتجارب.
أنا من هذا المكان الذي يحمل تراثاً عريقاً، أفخر بجذوري التي تمتد في عمق الصحراء، حيث القصص تُروى حول النار في ليالٍ باردة، وحيث الكرم والنخوة ليست كلمات بل أفعال. أستوحي من هذه الأرض قوتي، من رمالها، من سمائها، من قصص أجدادي التي ملأت صدري بالعزة والفخر. ومن وطني السعودية، أستلهم طموحي؛ بلدٌ تحوّل من أرضٍ للقبائل المتفرقة إلى مملكةٍ متحدة، تنظر إلى المستقبل بثقة، وتبني فيه أحلاماً كبيرة.
أنا أكتب لأنني أريد أن أشارككم هذه القصص، لأنني أؤمن أن الكلمات يمكنها أن تُغيّر شيئاً، أن تلمس شخصاً، أن تُنير لحظة في يومٍ مظلم. أكتب لأُعبّر عن تلك الأحاسيس التي ربما لا أستطيع قولها بصوتٍ عالٍ، لأطرح الأسئلة التي لا تملك إجابات سهلة، ولأكشف عن الجمال الذي يتوارى في التفاصيل الصغيرة التي قد نغفل عنها.
أنا أكتب لأعيش، لأتنفس، لأُحاور، لأُصغي. مدونتي هي مساحتي الخاصة التي أكون فيها على طبيعتي، لا أتجمل ولا أتظاهر، أتحدث بصوتي العفوي، أحياناً همساً، وأحياناً بصوتٍ مرتفع، لأشارككم الفرح، والشك، والأمل، والتساؤل.
ما هي طريقة التواصل المباشرة مع المدوّن؟
يُمكنكم مراسلتنا عبر البريد الإلكتروني التالي: [email protected]
نسعد بتلقي أسئلتكم، اقتراحاتكم، وكل ما ترغبون بمشاركته من أفكار تُثري الحوار وتفتح آفاقاً جديدة للتفكير.